محاضرة حول موضوع « إعداد التراب والتخطيط الحضري: أية علاقة ؟

من تقديم الدكتورة:
رجاء منير،
رئيسة مصلحة التهيئة الحضرية وإعداد التراب،
بالمديرية الجهوية لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بجهة مراكش أسفي.
التقرير التركيبي للمحاضرة
شهدت رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، يوم السبت 09 مارس 2019، انطلاقا من الساعة التاسعة صباحا، إلقاء محاضرة من طرف الدكتورة رجاء منير، رئيسة مصلحة التهيئة الحضرية وإعداد التراب، بالمديرية الجهوية لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بجهة مراكش أسفي، حول موضوع « إعداد التراب والتخطيط الحضري: أية علاقة ؟ »، وذلك بمبادرة من ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة الذي يشرف عليه الأستاذ الدكتور الحسين الرامي ، وماستر تحليل وتقييم السياسات العمومية، الذي يشرف عليه الأستاذ الدكتور عبد الإله أمين.
وقد تم افتتاح أشغال هذه المحاضرة بكلمة للأستاذ عبد الإله أمين، الذي رحب بالأستاذة المحاضرة رجاء منير، شاكرا إياها على تلبية الدعوة لتأطير هذا اللقاء العلمي الأكاديمي الهام، و تحمل عناء التنقل من مدينة مراكش إلى مدينة أكادير، مذكرا بالسياق الذي تندرج فيه هذه المحاضرة، حيث أشار الى أنه سبق أن تمت برمجتها خلال الأسدس الأول من السنة الجامعية الحالية، لكن اعتبارا لضيق الوقت وظروف الإعداد لامتحانات نهاية الأسدس، كلها عوامل فرضت ضرورة تأجيلها إلى موعد لاحق.
بعد ذلك أثار الأهمية القصوى التي يكتسيها موضوع المحاضرة، والمتعلق بإعداد التراب والتخطيط الحضري، الذي يعتبر مدخلا رئيسيا وأساسيا من مداخل التنمية الترابية والمستدامة، مذكرا بأن مداخلة الأستاذة ستكون بمثابة أرضية للنقاش الذي يجب أن يحتل حيزا مهما وبارزا في الوقت المخصص لهذه المحاضرة.
بعد ذلك أخذ الكلمة الأستاذ الحسين الرامي، الذي عبر بدوره عن شكره العميق للأستاذة المحاضرة على مساهمتها في تنشيط هذا اللقاء العلمي، والذي يندرج ضمن سلسلة الأنشطة العلمية المبرمجة في إطار ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، كما شكر جميع الحاضرين وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الإله أمين، منسق ماستر تحليل وتقييم السياسات العمومية على المبادرة إلى تنظيم هذه المحاضرة حول موضوع ذو راهنية كبرى والذي يحتل مكانة متميزة في بناء المسار التنموي للبلاد.
و بعد هاتين المداخلتين، أعطيت الكلمة للأستاذة رجاء منير، التي تقدمت بشكرها الى السادة الأساتذة وإلى جميع الطلبة الحاضرين، على الترحيب وحسن الاستقبال، معبرة عن سعادتها لإتاحتها هذه الفرصة من أجل تقاسم حصيلة التجربة الميدانية التي خاضتها في هذا المجال لمدة تزيد عن خمسة عشرة سنة، وذلك بصفتها رئيسة مصلحة التهيئة الحضرية وإعداد التراب، بالمديرية الجهوية لإعداد التراب الوطني والتعمير والاسكان وسياسة المدينة بجهة مراكش أسفي.
و في إطار مداخلتها أشارت الأستاذة المحاضرة إلى أن عملية إعداد التراب هي مجموعة من التدابير المتخذة من طرف الجهات المختصة والرامية إلى توزيع متوازن وعادل للساكنة وللأنشطة الاقتصادية والبنيات التحتية على مستوى التراب الوطني.
إلا أن هذا الرهان تعترضه عدة إكراهات ومعوقات، أبرزها الارتفاع المتزايد لعدد الساكنة بالوسط الحضري، في الوقت الذي لم تكن فيه المدن مؤهلة لاحتواء هذه الأعداد المرتفعة من السكان، بمعنى أن هناك ” تحضر غير مهيأ له وغير مبرمج”، مما جعل الدولة تنتهج باستمرار سياسة التدارك وتقويم الاختلالات للتغلب على الوضعيات السلبية المتوارثة في مجال التحضر والتعمير في المدن، وهذا ما يتطلب إمكانيات مادية وتكاليف باهظة ترهق ميزانيات المصالح المتدخلة في هذا المجال.
و تبقى نتائج هذا التدارك جد نسبية، بحيث أن التدبير العشوائي للتراب أدى إلى ظهور عدة آثار سلبية على المجال، متمثلة استنزاف الموارد المائية مما أدى الى ندرتها في بعض المناطق، واجتثاث الغابات وزحف الرمال وإحداث مقالع عشوائية، وزحف العمران والمضاربات العقارية، وكل هذه التحديات تستوجب بل تفرض وضع سياسة إعداد تراب جيدة وفعالة.
و بعد هذه التوطئة، قدمت الأستاذة أبرز المحاور التي تتناولها خلال هذه المحاضرة والتي هي على الشكل التالي:
المحور الأول: لماذا سياسة إعداد التراب الوطني ؟
المحور الثاني: الأسس المرجعية لإعداد التراب الوطني.
المحور الثالث: العلاقة بين إعداد التراب والتخطيط الحضري
المحور الأول: لماذا سياسة إعداد التراب الوطني؟
من بين دواعي وأسباب اعتماد سياسة إعداد التراب الوطني، إيجاد حلول مناسبة لاختلال التوازن فيما يتعلق بتوزيع وانتشار الساكنة فوق التراب الوطني، بحيث أن 70% من السكان يتركزون في 5 جهات المملكة، فيما تنتشر 30% المتبقية في سبع جهات، كما لوحظ أيضا أن معدل نمو عدد السكان يوجد في تراجع ويعتبر مؤشرا سالبا في حوالي 160 جماعة، وذلك بسبب الهجرة والنزوح نحو المناطق الحضرية، بمعنى أن هناك جهات مصدرة للعنصر البشري وأخرى مستقبلة له، هذا في الوقت الذي لم تكن فيه المدن المستقبلة مؤهلة ومهيأة لاستقبال تلك الأفواج الهائلة من المهاجرين، مما أدى الى ظهور آثار سلبية على النسيج العمراني وعلى المجال بصفة عامة، حيث يتم استنبات أحياء سكنية عشوائية والتي تشكل أحزمة الفقر لا سيما في ضواحي المدن الكبرى.
من بين مرامي ودواعي سياسة إعداد التراب الوطني كذلك، إرساء دعائم شبكة حضرية متناسقة ومنسجمة ومتكاملة، متكونة من مدن كبرى ومدن متوسطة وأخرى صغيرة ، تشهد تراتبية على مستوى التجهيزات والبنيات التحتية الأساسية تتوزع وتتدرج بين ما هو جهوي وإقليمي ومحلي
المحور الثاني: الأسس المرجعية لإعداد التراب الوطني.
لعل من أبرز المرجعيات الأساسية لإعداد التراب الوطني، الخطب الملكية التي ما فتئ صاحب الجلالة يؤكد من خلالها الحرص على أهمية تظافر جهود كافة المتدخلين من اجل بلورة مقاربة تنموية ونموذج تنموي جديد من اجل تقليص الفوارق المجالية عبر سياسة اعداد تراب متوازنة ومندمجة قادرة على ضمان الاقلاع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
وبالإضافة الى الخطب الملكية، ينص دستور المملكة لسنة 2011 على عدة مقتضيات جوهرية مرتبطة بإعداد التراب الوطني، ومن أبرزها اعتماد الجهوية الموسعة كمستوى ترابي تندمج فيه السياسات المحلية وتساهم في تقليص الفوارق بين الجماعات المشكلة للجهة.
وعلى المستوى التشاوري والتفاعلي، يشكل الحوار الوطني حول موضوع إعداد التراب إطارا مرجعيا آخر، والذي ساهمت فيه كل جهات المملكة عن طريق تنظيم مجموعة من الورشات، وبحضور عدة فاعلين من أساتذة وممارسين وخبراء متخصصين، والذي شهد استحضار التنوع البيئي والجغرافي والأنثروبولوجي لكل جهة، والذي يتوزع ما بين مناطق الواحات والمناطق الجبلية والساحلية والمدن العتيقة وغير ذلك من الخصوصيات.
وعلى مستوى التنزيل العملي ووضع آليات التخطيط، تم إعداد التصميم الوطني لإعداد التراب SNAT ، والذي يعتبر خلاصة للحوار الوطني حول إعداد التراب وترجمة لمساهمة كل الفاعلين من أجل تحسين التدخل العمومي والدفع به في إرساء مسلسل جاد لإعادة الهيكلة الوطنية، وكان من بين أهدافه الرئيسية، توفير العدالة المجالية التي تعتبر منطلقا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، حماية الموارد الطبيعية، النجاعة الاقتصادية، تحقيق التنافسية وخلق فرص الشغل.
وفي مستوى أدنى من التصميم الوطني، يوجد التصميم الجهوي لإعداد التراب SRAT ، كإطار مرجعي على الصعيد الجهوي، والمستند بدوره على القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، ومخطط التنمية الجهوية، والذي تتجلى أهميته في بعض النقط التالية:
- كونه أولا ينبثق من التصميم الوطني لإعداد التراب الوطني.
- يعد بمثابة وثيقة لها نظرة استباقية واستشرافية للمستقبل الترابي للجهة، بحيث يمتد مداه الى 25 سنة.
- يسعى الى ايجاد الحلول لندرة الموارد الطبيعية واحداث توازن في التجهيزات والامكانات بين مختلف نواحي الجهة.
- الحفاظ على خصوصيات كل جهة، مع احداث مشاريع ذات تأثير اقتصادي كبير.
- التخطيط لمشاريع مشتركة بين عدة جماعات او اقاليم مجاورة.
- يعتبر آلية للتعاقد بين الدولة والجهة حالة احتوائه على مشاريع ذات أهمية كبرى ليس في مقدور الجهة انجازها بمفردها.
المحور الثالث: العلاقة بين إعداد التراب والتخطيط الحضري.
تكمن العلاقة بين إعداد التراب والتخطيط الحضري في كون هذا الأخير يعتبر وليد سياسة إعداد التراب، بحكم التدرج والتراتبية في إعداد التصاميم والمخططات التي تستهدف ارساء سياسة متوازنة لإعداد التراب، والتي تنطلق من المخطط الوطني لإعداد التراب نزولا الى مستوى المخطط الجهوي، والذي يعتبر وثيقة مرجعية يجب استحضارها في اعداد التصميم المديري للتهيئة الحضرية SDAU، هذا الاخير الذي يعتبر الاطار الموجه والمرجعي لتصاميم التهيئة العمرانية للمدن والمراكز الحضرية.
ومن خلال هذا التسلسل تتجلى أهمية العلاقة والرابطة القوية بين إعداد التراب والتخطيط الحضري، الذي يعتبر خطوة أساسية لتحقيق الحكامة الترابية واستحضار حاجيات الأجيال المقبلة وتوفير شروط العيش الكريم.
وبعد هذه المداخلة القيمة للأستاذة الكريمة رجاء منير، تم فتح باب المناقشة لطرح الأسئلة والتفاعل مع الموضوع من طرف الحضور الكريم من أساتذة وطلبة بمختلف تخصصاتهم ومستوياتهم.